المقدمة

تعتبر الكتابة في الحجاج طريق يصعب مسلكه لكونه محفوف بجملة من المحاذير على رأسها ،أن هذا الحقل المعرفي لم يستقر بعد على أركانه الأساسية التي تُبنى عليها العلوم  عادة فتنتقل بواسطتها من التنظير إلى التطبيق .

و قد حاولنا جاهدين في هذا الكتاب تبيان النقاط الأساسية التي يحتاجها الخائض لهذا المجال المعرفي الخصب الذي بدأت بوادرها منذ أن نطق الإنسان أول كلمة في هذا الوجود ، و قد اثبتت الكتب السماوية ذلك في المحاورات التي دارت بين الأنبياء و أقوامهم عن طريق دحض الحجة بالحجة .

و قد بحثت في قصة نبي الله نوح عليه السلام في القرآن الكريم ،و ليس بينه وبين آدم عليه السلام إلا خمسة أجداد كما ذكر ذلك أصحاب السير ،و قد استنتجنا اعتماد الحجاج طريقة في الحوار ،و في تبليغ الرسالة، و كأنهم انتهجوا نفس المنهج الذي أمر الله به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:"  ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)"

و ذكر أهل التفسير أن مراتب الحجاج في القرآن الكريم ،انطلاقا من هذه الآية، على ثلاثة وهي:

1.            الدعوة بالحجة للحكماء أي لأهل العلم

2.            الدعوة بالموعظة و تكون لعامة الناس

3.            الدعوة بالجدال لأهل اللدد في الخصومة أي المعاندين.

و سيجد القارئ في هذه  المحاضرات جملة الدراسات حول البلاغة الجديدة و الحجاج و علاقتها بتقنيات الخطاب.

 

 

 

 

 

 

 

 التداولية اليوم علم جديد في التواصل

أصبحت تطبيقات التداولية كثيرة، متنوعة، يومنا هذا، في مجالات كاللسانيات وعلم النفس وفلسفة المعرفة والمعلوماتية... إلخ. في هذا الكتاب-إضافةً إلى إشاراته التاريخية-عرضٌ متكامل لموضوع التداولية ولاهتماماتها وللبحوث فيها، باعتبارها علم استعمال اللغة. من ذلك: العلاقة بالذكاء الاصطناعي وبعمل الدماغ البشري؛ ومنه مشاكل تأويل اللغة في سياقات مختلفة، والعلاقة بين اللغة والحقيقة أو بين العقيدة والحقيقة. إن في هذا الكتاب من وضوح العرض واللغة ما يجعل منه، لدى الباحثين والطلاب، مدخلاً يسيراً لعلم جديد في الاتصال نحتاج جميعاً إلى معرفته: التداولية.

ما التداولية من حيث المفهوم والتصور:

لقد عني الباحثون بدراسة اللغة وفقًا لاتجاهين رئيسيين: الاتجاه الشكلي، الذي قعد العرب من خلاله لعلمي النحو والصرف، وتمّثل عند الغربيين في اللسانيات الصارمة، التي تعنى بدراسة النظام اللغوي، معزولاً عن سياق التواصل الاجتماعي.

 

وهناك اتجاه آخر، وهو الاتجاه التواصلي الذي يدرس اللغة من خلال المنجز اللفظي في سياق معين، وقد تمثَّل هذا الاتجاه في مناهج كثيرة منها: تحليل الخطاب، اللسانيات الاجتماعية واللسانيات التداولية.

 

وتعد اللسانيات التداولية من أحدث الاتجاهات اللغوية التي ظهرت وازدهرت على ساحة الدرس اللساني الحديث والمعاصر، إذ بعدما كانت اللسانيات تقصر أبحاثها على الجانبين البنيوي والتوليدي؛ فتهتم بدراسة مستويات اللغة وإجراءاتها الداخلية (جانب بنيوي)، وكذا وصف وتفسير النظام اللغوي ودراسة الملكة اللسانية المتحكمة فيه (جانب توليدي)، وفي إطار ما يُصطلح عليه بـ "لسانيات الوضع"، جاءت اللسانيات التداولية لتعالج في مقابل ذلك ما يسمى بـ "لسانيات الاستعمال" ولعل هذا ما جعلها أكثر دقة وضبطا، حيث تدرس اللغة أثناء استعمالها في المقامات المختلفة، وبحسب أغراض المتكلمين وأحوال المخاطبين.[[1]]

 

فالتداولية درس عزيز جديد إلا إنه لا يمتلك حدودا واضحة... تقع التداولية أكثر الدروس حيوية في مفترق طرق البحث الفلسفية واللسانية [[2]] تنوعت وجهات النظر بين الدارسين سواء عند مؤسسيها ومريديها في الغرب، أو عند دارسيها والباحثين فيها من العرب. ولعل السبب في ذلك يعود إلى تنوع مجالات اهتمام الباحثين أنفسهم. [[3]]

 



[1] - التداولية والبلاغة العربية، باديس لهويمل، مجلة المخبر، العدد (7 )، 2011، الجزائر. ص 155.

[2] - المقاربة التداولية ، فرانسواز أرمينكو، ص 6.

[3] ـ ينظر:استراتيجيات الخطاب، مقاربة لغوية تداولية، عبد الهادي بن ظافر الشهري، دار الكتاب الجديد، بيروت، 2004، ص 21